والثاني : أن يكون له من الهوي والمعارض ما يحتاج معه إلى الخوف الذي ينهي النفس عن الهوي؛ فهذا يدْعَي بالموعظة الحسنة وهذا هو القسم الثاني المذكور في قوله :﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾، وفي قوله :﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾. وقد قال في السورة في قصة فرعون :﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى ﴾ [ النازعات : ١٧ـ ١٩ ]، فجمع بين التزكي والهدي والخشية، كما جمع بين العلم والخشية في قوله :﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ]،
وفي قوله :﴿ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ﴾ [ الأعراف : ١٥٤ ]، وفي قوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيمًا وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [ النساء : ٦٦ ـ ٦٨ ].
وذلك لما ذكرناه من أن كل واحد من العلم بالحق الذي يتضمنه التذكر، والذكر الذي يحدثه القرآن، ومن الخشية المانعة من اتباع الهوي سبب لصلاح حال الإنسان، وهو مستلزم للآخر إذا قوي على / ضده، فإذا قوي العلم والتذكر دفع الهوي، وإذا اندفع الهوي بالخشية أبصر القلب وعلم. وهاتان هما الطريقة العلمية والعملية، كل منهما إذا صحت تستلزم ما تحتاج إليه من الأخري، وصلاح العبد ما يحتاج إليه ويجب عليه منهما جميعاً؛ ولهذا كان فساده بانتفاء كل منهما. فإذا انتفي العلم الحق كان ضالا غير مهتد، وإذا انتفي اتباعه كان غاويا مغضوبا عليه.


الصفحة التالية
Icon