فقوله سبحانه :﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ [ طه : ٤٤ ]، وقوله :﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ﴾ [ طه : ١١٣ ]، طلب وجود أحد الأمرين بتبليغ الرسالة، وجاء بصيغة :( لعل ) تسهيلا للأمر ورفقاً وبياناً؛ لأن حصول أحدهما طريق إلى حصول المقصود، فلا يطلبان جميعاً في الابتداء؛ ولهذا جاء في الأثر : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من عقوبة السيئة السيئة بعدها. لا سيما أصول الحسنات التي تستلزم سائرها، مثل الصدق فإنه أصل الخير، كما في الصحيحين عن ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال :( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتى يكتب عند اللّه صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحري الكذب حتى يكتب عند اللّه كذاباً ).
ولهذا قال سبحانه :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾ [ الشعراء : ٢٢١، ٢٢٢ ]، وقال :﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ [ الجاثية : ٧، ٨ ] ؛ ولهذا يذكر أن / بعض المشائخ أراد أن يؤدب بعض أصحابه الذين لهم ذنوب كثيرة فقال : يابني، أنا آمرك بخصلة واحدة فاحفظها لي، ولا آمرك الساعة بغيرها : التزم الصدق وإياك والكذب، وتوعده على الكذب بوعيد شديد، فلما التزم ذلك الصدق دعاه إلى بقية الخير ونهاه عما كان عليه، فإن الفاجر لا حد له في الكذب.
قَالَ شيخ الإسلام تقي الدين أَحمد بن تيمية ـ رَحمهُ اللّه تعالى :
فَصل