وكان أبو عمرو إماماً في العربية، فقرأ بما يعرف من العربية :( إِنّ هذين لَسَاحرِاَنِ ). وقد ذكر أن له سلفاً في هذه القراءة، وهو الظن / به : أنه لا يقرأ إلا بما يرويه، لا بمجرد ما يراه، وقد روي عنه أنه قال : إني لأستحيي من اللّه أن أقرأ :﴿ إِنْ هَذَانِ ﴾ ؛ وذلك لأنه لم ير لها وجهاً من جهة العربية، ومن الناس من خَطَّأ أبا عمرو في هذه القراءة، ومنهم الزجاج، قال : لا أجيز قراءة أبي عمرو، خلاف المصحف.
وأما القراءة المشهورة الموافقة لرسم المصحف، فاحتج لها كثير من النحاة بأن هذه لغة بني الحارث بن كعب، وقد حكي ذلك غير واحد من أئمة العربية. قال المهدوي : بنو الحارث بن كعب يقولون : ضربت الزيدان، ومررت بالزيدان، كما تقول : جاءني الزيدان. قال المهدوي : حكي ذلك أبو زيد، والأخفش، والكسائي، والفراء، وحكي أبو الخطاب : أنها لغة بني كنانة، وحكي غيره : أنها لغة لخثعم، ومثله قول الشاعر :
تزود منا بين أذناه ضربة ** دعته إلى هاوي التراب عقيم
وقال ابن الأنباري [ هو أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الشيباني، كاتب الإنشاء بديوان الخلافة ببغداد خمسين سنة. عَلَت مكانته عند الخلفاء والسلاطين، وناب في الوزارة، وأنفذ رسولاً إلى ملوك الشام وخراسان وكان فاضلاً أديبًا، ولد سنة ٩٦٤ هـ، وتوفي سنة ٨٥٥ هـ ] : هي لغة لبني الحارث بن كعب وقريش، قال الزجاج : وحكي أبو عبيدة عن أبي الخطاب ـ وهو رأس من رؤوس الرواة ـ أنها لغة لكنانة يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، وأنشدوا :
فأطرق إطراق الشجاع ولو يجد ** مساغا لناباه الشجاع لصمما
وقال : ويقول هؤلاء : ضربته بين أذناه.