فالصحابة لابد أن قد قرؤوا هذا الحرف، ومن الممتنع أن يكونوا كلهم قرؤوه بالياء كأبي عمرو، فإنه لو كان كذلك لم يقرأها أحد إلا بالياء، ولم تكتب إلا بالياء، فعلم أنهم أو غالبهم كانوا يقرؤونها بالألف كما قرأها الجمهور، وكان الصحابة بمكة والمدينة والشام والكوفة والبصرة يقرؤون هذه السورة في الصلاة وخارج الصلاة، ومنهم سمعها التابعون، ومن التابعين سمعها تابعوهم، فيمتنع أن يكون الصحابة كلهم قرؤوها بالياء مع أن جمهور القراء لم يقرؤوها إلا بالألف، وهم أخذوا قراءتهم عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، فهذا مما يعلم به قطعاً أن عامة الصحابة إنما قرؤوها بالألف كما قرأ الجمهور، وكما هو مكتوب.
وحينئذ، فقد علم أن الصحابة إنما قرؤوا كما علَّمهم الرسول، وكما هو لغة للعرب، ثم لغة قريش، فعلم أن هذه اللغة الفصيحة المعروفة عندهم في الأسماء المبهمة تقول : إن هذان، ومررت بهذان : تقولها في الرفع والنصب والخفض بالألف، ومن قال : إن لغتهم أنها تكون في الرفع بالألف، طولب بالشاهد على ذلك والنقل عن لغتهم المسموعة منهم نثراً ونظما، وليس في القرآن ما يشهد له، ولكن عُمْدَتُهُ القياس.
وحينئذ، فنقول :
قياس ( هذا ) بغيرها من الأسماء غلط، فإن الفرق بينهما ثابت عقلاً وسماعًا : أما النقل والسماع فكما ذكرناه، وأما العقل والقياس فقد تَفَطَّنَ للفرق غير واحد من حُذَّاقِ النحاةِ، فحكي ابن الأنباري وغيره عن الفراء قال : ألف التثنية في ( هذان ) هي ألف هذا، والنون فرقت بين الواحد والاثنين، كما فرقت بين الواحد والجمع نون الذين، وحكاه المهدوي وغيره عن الفراء، ولفظه قال : إنه ذكر أن الألف ليست علامة التثنية، بل هي ألف هذا، فزدت عليها نوناً، ولم أُغَيرْها، كما زدت على الياء من الذي، فقلت : الذين في كل حال، قال : وقال بعض الكوفيين : الألف في هذا مشبهة يفعلان، فلم تغير كما لم تغير.


الصفحة التالية
Icon