فى قوله تعالى :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ [ الحج : ١١ ـ ١٣ ]، فإن آخر هذه الآية قد أشكل على كثير من الناس، كما قال طائفة من المفسرين كالثعلبى والبغوى، واللفظ للبغوى، قال : هذه الآية من مُشْكلاَت القرآن، وفيها أسئلة أولها : قالوا : قد قال الله تعالى فى الآية الأولى :﴿ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّه ﴾، أى : لا يضره ترك عبادته، وقوله :﴿ لَمَن ضَرُّهُ ﴾، أى : ضر عبادته؛ قلت : هذا جواب.
وذكر صاحب [ الكشاف ] جوابًا غير هذا : فقال : فإن قلت : الضر والنفع منتفيان عن الأصنام مثبتان لهما فى الآيتين، وهذا تناقض، قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله سَفَّه الكافر بأنه يعبد جمادًا لا يملك ضرًا ولا نفعًا، وهو يعتقد فيه لجهله وضلاله / أنه يستشفع به حين يستشفع به، ثم قام يوم القيامة هذا الكافر بدعاء وصراخ حين رأى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التى ادعاها لها ﴿ لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ [ الحج : ١٣ ]، أو كرر ﴿ يَدْعُو ﴾ كأنه قال :﴿ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنفَعُهُ ﴾، ثم قال :﴿ لَمَن ضَرُّهُ ﴾ بكونه معبودًا ﴿ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ ﴾ بكونه شفيعًا ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾.
قلت : فقد جعل ضره بكونه معبودًا، وذكر تضرره بذلك. وفى الآخرة.


الصفحة التالية
Icon