والشيطان يريد من الإنسان الإسراف فى أموره كلها، فإنه إن رآه مائلا إلى الرحمة زين له الرحمة حتى لا يبغض ما أبغضه الله، ولا يغار لما يغار الله منه، وإن رآه مائلا إلى الشدة، زين له الشدة فى غير ذات الله حتى يترك من الإحسان والبر واللين والصلة والرحمة ما يأمر به الله ورسوله، ويتعدى فى الشدة فيزيد فى الذم والبغض والعقاب على ما يحبه الله ورسوله : فهذا يترك ما أمر الله به من الرحمة والإحسان وهو مذموم مذنب فى ذلك، ويسرف فيما أمر الله به ورسوله من الشدة حتى يتعدى الحدود وهو من إسرافه فى أمره. فالأول : مذنب، والثانى : مسرف، والله لا ىحب المسرفىن، فليقولا جميعًا :﴿ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [ آل عمران : ١٤٧ ].
وقوله تعالى :﴿ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [ النور : ٢ ]، فالمؤمن بالله واليوم الآخر يفعل ما يحبه الله ورسوله، وينهى عما يبغضه الله ورسوله، ومن لم يؤمن بالله واليوم الآخر فإنه يتبع هواه، فتارة تغلب عليه الرأفة / هوى، وتارة تغلب عليه الشدة هوى، فيتبع ما يهواه فى الجانبين بغير هدى من الله ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾ [ القصص : ٥٠ ]، فإن الزنا من الكبائر، وأما النظر والمباشرة فاللمم منها مغفور باجتناب الكبائر، فإن أصَرَّ على النظر أو على المباشرة صار كبيرة، وقد يكون الإصرار على ذلك أعظم من قليل الفواحش، فإن دوام النظر بالشهوة وما يتصل به العشق والمعاشرة والمباشرة، قد يكون أعظم بكثير من فساد زنا لا إصرار عليه؛ ولهذا قال الفقهاء فى الشاهد العدل : ألا يأتى كبيرة، ولا يُصِرَّ على صغيرة، وفى الحديث المرفوع :( لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار ).