وفيه ـ أيضا ـ أنه متى اقترن بخبر الفاسق دليل آخر يدل على صدقه، فقد استبان الأمر وزال الأمر بالتثبت، فتجوز إصابة القوم وعقوبتهم بخبر الفاسق مع قرينة إذا تبين بهما الأمور، فكيف خبر الواحد العدل مع دلالة أخرى؛ ولهذا كان أصح القولين أن مثل هذا لوث فى باب القسامة، فإذا انضاف أىمان المقسمين صار ذلك بينة تبيح دم المقسم عليه وقوله :﴿ أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ﴾ فجعل المحذور هو الإصابة لقوم بلا علم، فمتى أصيبوا بعلم زال المحذور، وهذا هو المناط الذى دل عليه القرآن، كما قال :﴿ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [ الزخرف : ٨٦ ] وقال :﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ].
وأيضًا، فإنه علل ذلك بخوف الندم، والندم إنما يحصل على عقوبة البرىء من الذنب، كما فى سنن أبى داود :( ادرؤوا الحدود بالشبهات، فإن الإمام أن يخطئ فى العفو خير من أن يخطئ فى العقوبة )، فإذا دار الأمر بين أن يخطئ فيعاقب بريئًا، أو يخطئ فيعفو عن مذنب، كان هذا الخطأ خير الخطأين. أما إذا حصل عنده علم أنه لم يعاقب إلا مذنبًا فإنه لا يندم، ولا يكون فيه خطأ، والله أعلم.
وقد ذكر الشافعى وأحمد أن التغريب جاء فى السنة فى موضعين أحدهما : أن النبى ﷺ قال فى الزانى إذا لم يحصن :( جلد مائة وتغريب عام ) والثانى : نفى المخنثين فيما روته أم سلمة : أن النبى ﷺ دخل عليها وعندها مخنث، وهو يقول لعبد الله أخيها : إن فتح الله لك الطائف غدًا أدلك على ابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان فقال النبى ﷺ :( أخرجوهم من بيوتكم ) رواه الجماعة إلا الترمذى، وفى رواية فى الصحيح :( لا يدخلن هؤلاء عليكم )، وفى رواية :( أرى هذا يعرف مثل هذا لا يدخلن عليكم بعد اليوم ).