وهذا الذى جاءت به الشريعة من النفى هو نوع من الهجرة أى هجره، وليس هذا كنفى الثلاثة الذىن خُلِّفُوا، ولا هجره كهجرهم، فإنه منع الناس من مخالطتهم ومخاطبتهم حتى أزواجهم، ولم يمنعهم من مشاهدة الناس وحضور مجامعهم فى الصلاة وغيرها، وهذا دون النفى المشروع، فإن النفى المشروع مجموع من الأمرين، وذلك أن الله خلق الآدميين محتاجين إلى معاونة بعضهم بعضًَا على مصلحة دينهم ودنياهم، فمن كان بمخالطته للناس لا يحصل منه عون على الدين، بل يفسدهم ويضرهم فى دينهم ودنياهم استحق الإخراج من بينهم، وذلك أنه مضرة بلا مصلحة؛ فإن مخالطته لهم فيها فسادهم وفساد أولادهم، فإن الصبى إذا رأى صبيا مثله يفعل شيئًا تَشَبَّه به، وسار بسيرته مع الفُسَّاق، فإن الاجتماع بالزناة واللوطيين فيه أعظم الفساد، والضرر على النساء والصبيان والرجال، فيجب أن يعاقب اللوطى والزانى بما فيه تفريقه وإبعاده.
وجماع الهجرة هى هجرة السيئات وأهلها، وكذلك هجران الدعاة إلى / البدع، وهُجْرَان الفُسَّاق، وهجران من يخالط هؤلاء كلهم أو يعاونهم، وكذلك من يترك الجهاد الذى لا مصلحة لهم بدونه، فإنه يعاقب بهجرهم له لما لم يعاونهم على البر والتقوى، فالزناة واللوطية، وتارك الجهاد، وأهل البدع، وَشَرَبَةُ الخمر، هؤلاء كلهم ومخالطتهم مضرة على دين الإسلام، وليس فيهم معاونة لا على بر ولا تقوى، فمن لم يهجرهم كان تاركا للمأمور فاعلا للمحظور، فهذا ترك المأمور من الاجتماع، وذلك فعل المحظور منه، فعوقب كل منهما بما يناسب جُرْمَه ُ، فإن العقوبة إنما تكون على ترك مأمور أو فعل محظور، كما قال الفقهاء : إنما يُشْرَع التعزير فى معصية ليس فيها حد، فإن كان فيها كفارة فعلى قولين فى مذهب أحمد وغيره.


الصفحة التالية
Icon