ومن أقوى ما يهيج الفاحشة، إنشاد أشعار الذين فى قلوبهم مرض من العشق، ومحبة الفواحش، ومقدماتها بالأصوات المطربة، فإن المغنى إذا غنى بذلك حرك القلوب المريضة إلى محبة الفواحش، فعندها يهيج مرضه ويقوى بلاؤه، وإن كان القلب فى عافية من ذلك جعل فيه مرضًا، كما قال بعض السلف : الغناء رُقْيَةُ الزنا.
ورقية الحية هى ما تستخرج بها الحية من جحرها، ورقية العين والحمة هى ما تستخرج به العافية، ورقية الزنا هو ما يدعو إلى الزنا، ويخرج من الرجل هذا الأمر القبيح، والفعل الخبيث، كما أن الخمر أم الخبائث، قال ابن مسعود : الغناء ينبت النفاق فى القلب كما ينبت الماء البقل، وقال تعالى لإبليس :﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ ﴾ [ الإسراء : ٦٤ ] واستفزازه إياهم بصوته يكون بالغناء ـ كما قال من قال من السلف ـ وبغيره من الأصوات؛ كالنياحة وغير ذلك، فإن هذه الأصوات كلها توجب انزعاج القلب والنفس الخبيثة إلى ذلك، وتوجب حركتها السريعة، واضطرابها حتى يبقى الشيطان يلعب بهؤلاء أعظم من لعب الصبيان بالكرة، والنفس متحركة، فإن سكنت فبإذن الله، وإلا فهى لا تزال متحركة.


الصفحة التالية
Icon