ولهذا اتفق الفقهاء على اعتبار الكفاءة فى الدين، وعلى ثبوت الفسخ بفوات هذه الكفاءة، واختلفوا فى صحة النكاح بدون ذلك، وهما قولان مشهوران فى مذهب أحمد وغيره، فإن من نكح زانية مع أنها تزنى فقد رضى بأن يشترك هو وغيره فيها، ورضى لنفسه بالقيادة والدياثة، ومن نكحت زان وهو يزنى بغيرها فهو لا يصون ماءه حتى يضعه فيها؛ بل يرميه فيها وفى غيرها من البغايا، فهى بمنزلة الزانية المتخذة خِدْنًا، فإن مقصود النكاح حفظ الماء فى المرأة، وهذا الرجل لا يحفظ ماءه، والله ـ سبحانه ـ شرط فى الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين، فقال :﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ [ النساء : ٢٤ ] وهذا المعنى مما لا ينبغى إغفاله؛ فإن القرآن قد نصه وبينه بيانًا مفروضًا، كما قال تعالى :﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا ﴾ [ النور : ١ ].
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه.
وقد ادعى بعضهم أن هذه الآية منسوخة بقوله :﴿ والْمُحْصَنَات ﴾، / وزعموا أن البغى من المحصنات، وتلك الآيات حجة عليهم، فإن أقل ما فى الإحصان العفة، وإذا اشترط فيه الحرية فذاك تكميل للعفة والإحصان، ومن حرم نكاح الأَمَةِ لئلا يرق ولده، كيف يبيح البغى التى تلحق به من ليس بولده، وأين فساد فراشه من رق ولده ؟ ! وكذلك من زعم أن النكاح هنا هو الوطء، والمعنى أن الزانى لا يطأ إلا زانية أو مشركة، والزانية لا يطؤها إلا زان أو مشرك، وهذا أبلغ فى الحجة عليهم، فمن وطئ زانية أو مشركة بنكاح فهو زان، وكذلك من وطئها زان، فإن ذم الزانى بفعله الذى هو الزنا حتى لو استكرهها أو استدخلت ذكره، وهو نائم كانت العقوبة للزانى دون قرينه، وهذه المسألة مبسوطة فى كتب الفقه.


الصفحة التالية
Icon