فمن نكح زانية فهو زان أى تزوجها، ومن نكحت زانيًا فهى زانية أى تزوجته؛ فإن كثيرًا من الزناة قصروا أنفسهم على الزوانى فتكون المرأة خِدْنًا وخليلا له لا يأتى غيرها، فإن الرجل إذا كان زانيًا لا يعف امرأته، وإذا لم يعفها تشوقت هى إلى غيره فزنت به، كما هو الغالب على نساء الزوانى أو من يلوط بالصبيان، فإن نساءه يزنين ليقضين إربهن ووطرهن، ويراغمن أزواجهن بذلك حيث لم يعفوا أنفسهم عن غير أزواجهن، فهن ـ أيضًا ـ لم يعففن أنفسهن عن غير أزواجهن؛ ولهذا يقال : عفوا تعف نساؤكم وأبناؤكم، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم، فإن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها؛ فإن الرجل إذا رضى أن ينكح زانية رضى بأن تزنى امرأته، والله ـ تعالى ـ قد جعل بين الزوجين مودة ورحمة، فأحدهما يحب لنفسه ما يحب للآخر، فإذا رضيت المرأة أن تنكح زانيًا فقد رضيت عمله، وكذلك إن رضى الرجل أن ينكح زانية فقد رضى عملها، ومن رضى الزنا كان بمنزلة الزانى. فإن أصل الفعل هو الإرادة؛ ولهذا جاء فى الأثر : من غاب عن معصية فرضيها / كان كمن شهدها أو فعلها، وفى الحديث :( المرء على دين خليله ) وأعظم الخلة خلة الزوجين.
وأيضًا، فإن الله قد جعل فى نفوس بنى آدم من الغيرة ما هو معروف، فيستعظم الرجل أن يطأ الرجل امرأته أعظم من غيرته على نفسه أن يزنى، فإذا لم يكره أن تكون زوجته بغياً وهو ديوث كيف يكره أن يكون هو زان ؟ ! ولهذا لم يوجد من هو ديوث أو قواد يعف عن الزنا، فإن الزانى له شهوة فى نفسه، والديوث ليس له شهوة فى زنا غيره، فإذا لم يكن معه إيمان يكره به زنا غيره بزوجته كيف يكون معه إيمان يمنعه من الزنا ؟ فمن استحل أن يترك امرأته تزنى استحل أعظم الزنا، ومن أعان على ذلك فهو كالزانى، ومن أقر على ذلك مع إمكان تغييره فقد رضيه، ومن تزوج غير تائبة فقد رضى أن تزنى إذ لا يمكنه منعها من ذلك، فإن كيد النساء عظيم.