ولهذا جاز للرجل إذا أتت امرأته بفاحشة مبينة أن يعضلها [ يعضلها : العضل هو أن يضارها ولا يحسن عشرتها؛ ليضطرها ذلك إلى الافتداء منه بمهرها الذى أمهرها ] ؛ لتفتدى نفسها منه، وهو نص أحمد وغيره؛ لأنها بزناها طلبت الاختلاع منه وتعرضت لإفساد نكاحه، فإنه لا يمكنه المقام معها حتى تتوب، ولا يسقط المهر بمجرد زناها، كما دل عليه قول النبى ﷺ للملاعن لما قال : مالى، قال :( لا مال لك عندها، إن كنت صادقًا عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كاذبا عليها / فهو أبعد لك ) ؛ لأنها إذا زنت قد تتوب لكن زناها يبيح له إعضالها حتى تفتدى منه نفسها إن اختارت فراقه أو تتوب.
وفى الغالب أن الرجل لا يزنى بغير امرأته إلا إذا أعجبه ذلك الغير، فلا يزال يزنى بما يعجبه فتبقى امرأته بمنزلة المعُلَّقة التى لا هى أيم ولا ذات زوج، فيدعوها ذلك إلى الزنا، ويكون الباعث لها على ذلك مقابلة زوجها على وجه القصاص مكايدة له ومغايظة؛ فإنه ما لم يحفظ غيبها لم تحفظ غيبه، ولها فى بضعه حق كما له فى بضعها حق، فإذا كان من العادين لخروجه عما أباح الله له لم يكن قد أحصن نفسه، وأيضا، فإن داعية الزانى تشتغل بما يختاره من البغايا، فلا تبقى داعيته إلى الحلال تامة، ولا غيرته كافية فى إحصانه المرأة، فتكون عنده كالزانية المتخذة خِدْنًا. وهذه معان شريفة لا ينبغى إهمالها.


الصفحة التالية
Icon