الثالث : أن الآية أريد بها : النعم والمصائب ـ كما تقدم ـ وليس للقدرية المجبرة أن تحتج بهذه الآية على نفى أعمالهم التى استحقوا بها العقاب؛ فإن قوله :﴿ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ ﴾ هو النعم والمصائب؛ ولأن قوله :﴿ مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ]، حجة عليهم، وبيان أن الإنسان هو فاعل السيئات، وأنه يستحق عليها العقاب. واللّه ينعم عليه بالحسنات ـ عملها وجزائها ـ فإنه إذا كان ما أصابهم من حسنة فهو من اللّه؛ فالنعم من اللّه، سواء كانت ابتداء أو كانت جزاء. وإذا كانت جزاء ـ وهى من الله ـ فالعمل الصالح الذى كان سببها هو ـ أيضاً ـ من الله، أنعم بهما الله على العبد.
وإلا فلو كان هو من نفسه ـ كما كانت السيئات من نفسه ـ لكان كل ذلك من نفسه، والله ـ تعالى ـ قد فرق بين نوعين فى الكتاب والسنة، كما فى الحديث الصحيح الإلهى عن الله :( يا عبادى، إنما هى أعمالكم أحصيها لكم، ثم أُوفِّيكُمْ إياها، فمن وَجَد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه )، وقال تعالى :{ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا