ومثل هذا في القرآن كثير، والله ـ سبحانه ـ قد أمرنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأمر بالشيء مسبوق بمعرفته، فمن لا يعلم المعروف لا يمكنه الأمر به، والنهي عن المنكر مسبوق بمعرفته، فمن لا يعلمه لا يمكنه النهي عنه، وقد أوجب الله علىنا فعل المعروف وترك المنكر، فإن حب الشيء وفعله وبغض ذلك وتركه لا يكون إلا بعد العلم بهما، حتي يصح القصد إلى فعل المعروف وترك المنكر، فإن ذلك مسبوق بعلمه، فمن لم يعلم الشيء لم يتصور منه حب له ولا بغض ولا فعل ولا ترك، لكن فعل الشيء والأمر به يقتضي أن يعلم علمًا مفصلا يمكن معه فعله والأمر به إذا أمر به مفصلا.
ولهذا أوجب الله على الإنسان معرفة ما أمر به من الواجبات؛ مثل صفة الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف / والنهي عن المنكر، إذا أمر بأوصاف فلا بد من العلم بثبوتها، فكما أنا لا نكون مطيعين إذا علمنا عدم الطاعة فلا نكون مطيعين إلا إذا لم نعلم وجودها، بل الجهل بوجودها كالعلم بعدمها، وكون كل منهما معصية، فإن الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل في بيع الأموال الربوية بعضها بجنسه، فإن لم نعلم المماثلة كان كما لو علمنا المفاضلة. وأما معرفة ما يتركه وينهي عنه فقد يكتفي بمعرفته في بعض المواضع مجملاً، فالإنسان يحتاج إلى معرفة المنكر وإنكاره، وقد يحتاج إلى الحجج المبينة لذلك، وإلي الجواب عما يعارض به أصحابها من الحجج، وإلي دفع أهوائهم وإراداتهم، وذلك يحتاج إلى إرادة جازمة وقدرة على ذلك، وذلك لا يكون إلا بالصبر، كما قال تعالى :﴿ وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [ سورة العصر ].


الصفحة التالية
Icon