وهذا كثير جدًا، فالذي يحب أقوالهم وأفعالهم هو منهم؛ إما كافر، وإما فاجر بحسب قوله وفعله، وليس منهم من هو بعكسه، وليس عليه عذاب في تركه؛ لكنه لا يثاب على مجرد عدم ذلك، وإنما يثاب على قصده لترك ذلك وإرادته، وذلك مسبوق بالعلم بقبح ذلك وبغضه لله، وهذا العلم والقصد والبغض هو من الإيمان الذي يثاب عليه، وهو أدني الإيمان؛ كما قال النبي صلي الله عليه وسلم :( من رأي منكم منكرًا فليغيره بيده ) إلى آخره، وتغيير القلب يكون بالبغض لذلك وكراهته وذلك لا يكون إلا بعد العلم به وبقبحه، ثم بعد ذلك يكون الإنكار باللسان، ثم يكون باليد، والنبي صلي الله عليه وسلم قال :( وذلك أضعف الإيمان ) فيمن رأي المنكر.
فأما إذا رآه فلم يعلم أنه منكر ولم يكرهه لم يكن هذا الإيمان موجودًا في القلب في حال وجوده ورؤيته؛ بحيث يجب بغضه / وكراهته، والعلم بقبحه يوجب جهاد الكفار والمنافقين إذا وجدوا، وإذا لم يكن المنكر موجودًا لم يجب ذلك، ويثاب من أنكره عند وجوده، ولا يثاب من لم يوجد عنده حتي ينكره، وكذلك ما يدخل في ذلك من الأقوال والأفعال المنكرات قد يعرض عنها كثير من الناس إعراضهم عن جهاد الكفار والمنافقين، وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهؤلاء وإن كانوا من المهاجرين الذين هجروا السيئات، فليسوا من المجاهدين الذين يجاهدون في إزالتها، حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
فتدبر هذا، فإنه كثيرًا ما يجتمع في كثير من الناس هذان الأمران بغض الكفر وأهله، وبغض الفجور وأهله، وبغض نهيهم وجهادهم، كما يحب المعروف وأهله ولا يحب أن يأمر به ولا يجاهد عليه بالنفس والمال؛ وقد قال تعالى :{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا