وكثير من الناس، بل أكثرهم كراهتهم للجهاد على المنكرات أعظم من كراهتهم للمنكرات؛ لا سيما إذا كثرت المنكرات وقويت فيها الشبهات والشهوات فربما مالوا إليها تارة وعنها أخري، فتكون نفس أحدهم لَوَّامَةً بعد أن كانت أَمَّارَةً، ثم إذا ارتقي إلى الحال الأعلى في هجر السيئات، وصارت نفسه مطمئنة تاركة للمنكرات والمكروهات، لا تحب الجهاد ومصابرة العدو على ذلك، واحتمال ما يؤذيه من الأقوال والأفعال، فإن هذا شيء آخر داخل في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً ﴾ الآيات، إلى قوله :﴿ وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا ﴾ [ النساء : ٧٧ ـ ٨٥ ]، والشفاعة : الإعانة؛ إذ المعين قد صار شفعًا للمعان، فكل من أعان على بر أو تقوي كان له نصيب منه، ومن أعان على الإثم والعدوان كان له كِفْلٌ منه، وهذا حال الناس فيما يفعلونه بقلوبهم وألسنتهم وأيديهم من الإعانة على البر والتقوي، والإعانة على الإثم والعدوان، ومن ذلك الجهاد بالنفس والمال على ذلك من الجانبين، كما قال تعالى قبل ذلك :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا ﴾ إلى قوله :﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [ النساء : ٧١ـ٧٦ ].


الصفحة التالية
Icon