ولهذا كان كل من لم يعبد الله وحده، فلابد أن يكون عابداً لغيره، يعبد غيره فيكون مشركا. وليس في بني آدم قسم ثالث، بل إما موحد، أو مشرك، أو من خلط هذا بهذا كالمبدلين من أهل الملل؛ النصارى ومن أشبههم من الضلال، المنتسبين إلى الإسلام، قال اللّه تعالى :﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [ النحل : ٩٨ـ ١٠٠ ]، وقد قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ] لما قال إبليس :﴿ لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ قال تعالى :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [ الحجر : ٣٩، ٤٢ ].
فإبليس لا يغوى المخلصين، ولا سلطان له عليهم، إنما سلطانه على الغاوين، وهم الذين يتولونه، وهم الذين به مشركون.
وقوله :﴿ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ صفتان لموصوف واحد. فكل من تولاه فهو به مشرك، وكل من أشرك به فقد تولاه.
قال تعالى :﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [ يس : ٦٠، ٦١ ].