والصواب : قول الجمهور، أن هذا كقوله :﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾ [ الأعراف : ٣٣ ] فإنه ينفي التحريم عن غير هذه الأصناف ويثبتها لها، لكن أثبتها للجنس، أو لكل واحد واحد من العلماء، كما يقال : إنما يحج المسلمون، ولا يحج إلا مسلم، وذلك أن المستثنى هل هو مقتض أو شرط ؟
ففي هذه الآية وأمثالها هو مقتض، فهو عام؛ فإن العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف. فإذا كان العلم يوجب الخشية الحاملة على فعل الحسنات، وترك السيئات، وكل عاص فهو جاهل، ليس بتام العلم. يبين ما ذكرنا من أن أصل السيئات الجهل، وعدم العلم. وإذا كان كذلك، فعدم العلم ليس شيئا موجوداً، بل هو مثل عدم القدرة، وعدم السمع والبصر، وسائر الأعدام.
والعدم لا فاعل له، وليس هو شيئاً، وإنما الشيء الموجود. واللّه تعالى خالق كل شىء، فلا يجوز أن يضاف العدم المحض إلى الله، لكن قد يقترن به ما هو موجود.
فإذا لم يكن عالماً باللّه، لا يدعوه إلى الحسنات، وترك السيئات.
والنفس بطبعها متحولة، فإنها حية، والإرادة والحركة الإرادية من لوازم الحياة؛ ولهذا قال النبى ﷺ ـ فى الحديث الصحيح :( أصدَقُ الأسماء حارث وهَمَّام )، فكل آدمي حارث وهمام، أي عامل كاسب، وهو همام، أي : يهم ويريد، فهو متحرك بالإرادة.
وقد جاء فى الحديث :( مثل القلب مثل ريشة ملقاة بأرض فَلاة ) [ فلاة : أى لا ماء فيها. انظر : القاموس مادة : فلو ]، ( ولَلْقَلْبُ أشد تَقَلُّباً من القِدْر إذا استجمعت غلياناً ).
فلما كانت الإرادة والعمل من لوازم ذاتها، فإذا هداها اللّه، علمها ما ينفعها وما يضرها، فأرادت ما ينفعها، وتركت ما يضرها.
فصل
والله ـ سبحانه ـ قد تفضل على بنى آدم بأمرين، هما أصل السعادة :