وإرادة النفس لما يريده من الذنوب وفعلها، هو من جملة مخلوقات الله تعالى؛ فإن الله خالق كل شىء، وهو الذي ألهم النفس ـ التى سواها ـ فجورها وتقواها.
وكان النبى ﷺ يقول فى دعائه :( اللهم آت نفسي تقواها، وزَكِّها، أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ).
وهو ـ سبحانه ـ جعل إبراهيم وآله أئمة يهدون بأمره، وجعل فرعون وآله أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا يُنْصَرون.
لكن هذا لا يضاف مفرداً إلى الله ـ تعالى ـ لوجهين : من جهة علته الغائية، ومن جهة سببه وعلته الفاعلية.
أما الغائية، فإن اللّه إنما خلقه لحكمة هو باعتبارها خير لا شر، وإن كان شراً إضافياً، فإذا أضيف مفرداً توهم المتوهم مذهب جَهم : أن الله يخلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد لا لحكمة ولا رحمة، والأخبار والسنة والاعتبار تبطل هذا المذهب.
كما أنه إذا قيل : محمد وأمته يسفكون الدماء، ويفسدون فى الأرض، كان هذا ذماً لهم، وكان باطلا. وإذا قيل : يجاهدون في سبيل الله لتكون كلمة اللّه هي العليا، ويكون الدين كله لله، ويقتلون من منعهم من ذلك، كان هذا مدحاً لهم، وكان حقاً.
فإذا قيل : إن الرب ـ تبارك وتعالى ـ حكيم رحيم، أحسن كل شىء خلقه، وأتقن ما صنع، وهو أرحم الراحمين، أرحم بعباده من الوالدة بولدها، والخير كله بيديه، والشر ليس إليه، بل لا يفعل إلا خيراً، وما خلقه من ألم لبعض الحيوانات أو من أعمالهم المذمومة، فله فيها حكمة عظيمة، ونعمة جسيمة ـ كان هذا حقاً، وهو مدح للرب وثناء عليه.
وأما إذا قيل : إنه يخلق الشر الذي لا خير فيه ولا منفعة لأحد، ولا له فيها حكمة ولا رحمة، ويعذب الناس بلا ذنب ـ لم يكن هذا مدحا للرب، ولا ثناء عليه، بل كان بالعكس.
ومن هؤلاء من يقول : إن اللّه تعالى أضر على خلقه من إبليس.
وبسط القول فى بيان فساد قول هؤلاء له موضع آخر.