وقد يقال : لما كان الخطاب لهم، قال :﴿ تَتَمَارَى ﴾ أي يتمارون، ولم يقل : تميرا؛ فإن التفاعل يكون بين اثنين تماريا. قالوا : والخطاب للإنسان. قيل : للوليد بن المغيرة؛ فإنه قال :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [ النجم ٣٦-٣٨ ]، ثم التفت إليه فقال :﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ تكذب، كما قال :﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [ الرحمن : ١٤-١٦ ].
ففي كل ما خلقه الله إحسان إلى عباده، يحمد عليه حمد شكر، وله فيه حكمة تعود إليه، يستحق لأجلها أن يحمد عليه حمداً يستحقه لذاته.
فجميع المخلوقات فيها إنعام على العباد، كالثقلين المخاطبين بقوله :﴿ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ من جهة أنها آيات للرب، يحصل بها هدايتهم وإيمانهم الذى يسعدون به فى الدنيا والآخرة، فيدلهم عليه وعلى وحدانيته وقدرته وعلمه وحكمته ورحمته.
والآيات التى بعث بها الأنبياء وأيدهم بها ونصرهم، وإهلاك عدوهم ـ كما ذكره في سورة النجم :﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ [ النجم : ٥٠ ـ ٥٤ ]، تدلهم على صدق الأنبياء فيما أخبروا به من الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ما بشروا به وأنذروا به.