وأما قوله :﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ﴾، فقد يشكل على كثير من الناس؛ لظنهم أن هذا السماع المشروط هو السماع المنفي في الجملة الأولى، الذي كان يكون لو علم فيهم خيرًا، وليس في الآية ما يقتضى ذلك، بل ظاهرها وباطنها ينافي ذلك؛فإن الضمير في قوله :﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾ عائد إلى الضميرين في قوله :﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأسْمَعَهُمْ ﴾، وهؤلاء قد دل الكلام على أن الله لم يعلم فيهم خيرًا، فلم يسمعهم؛ إذ [ لو ] يدل على عدم الشرط دائمًا، وإذا كان الله ما علم فيهم خيرًا، فلو أسمعهم لتولوا وهم معرضون، بمنزلة اليهود الذين قالوا سمعنا وعصينا، وهم الصنف الثالث.
ودلت الآية على أنه ليس لكل من سمع وفقه يكون فيه خير، بل / قد يفقه ولا يعمل بعلمه فلا ينتفع به، فلا يكون فيه خيرًا. ودلَّتْ ـ أيضًا ـ على أن إسماع التفهيم إنما يطلب لمن فيه خير، فإنه هو الذى ينتفع به، فأما من ليس ينتفع به فلا يطلب تفهيمه.


الصفحة التالية
Icon