وقد تنازع الناس في العبد : هل يصير في حال تمتنع منه التوبة إذا أرادها ؟ والصواب الذى عليه أهل السنة والجمهور : أن التوبة ممكنة من كل ذنب، وممكن أن الله يغفره، وقد فرضوا في ذلك من توسط أرضًا مغصوبة، ومن توسط جَرْحَى، فكيف ما تحرك قتل بعضهم ؟ ! فقيل : هذا لا طريق له إلى التوبة. والصحيح : أن هذا إذا تاب، قبل الله توبته.
أما من توسط الأرض المغصوبة، فهذا خروجه بنية تخلية المكان وتسليمه إلى مستحِقِّه ليس منهيًا عنه ولا محرَّمًا، بل الفقهاء متفقون على أن من غصب دارًا وترك فيها قماشه وماله، إذا أمر بتسليمها إلى مستحقها فإنه يؤمر بالخروج منها، وبإخراج أهله وماله منها، وإن كان ذلك نوع تَصَرُّف فيها، لكنه لأَجْلِ إخلائها.
والمشرك إذا دخل الحرم أمر بالخروج منه، وإن كان فيه مرور فيه، ومثل هذا حديث الأعرابى المتَّفَق على صحته لمَّا بال في المسجد فقام الناس إليه، فقال النبى ﷺ :( لا تُزْرِموه )، أى لا تقطعوا عليه بوله، وأمرهم أن يصبوا على بوله دلوًا من ماء، فهو لما بدأ بالبول كان إتمامه خيرًا من أن يقطعوه، فيلوث ثيابه وبدنه، ولو زنا رجل بامرأة ثم تاب لنزع، ولم يكن مذنبًا بالنزع، وهل هو وطء ؟ فيه قولان : هما روايتان عن أحمد. فلو حلف ألاَّ يطأ امرأته بالطلاق الثلاث، فالذين يقولون : إنه يقع به الطلاق الثلاث إذا وطئها تنازعوا : هل يجوز له وطؤها ؟ على قولين : هما روايتان عن أحمد. أحدهما : يجوز كقول الشافعى. والثاني : لا يجوز كقول مالك، فإنه يقول : إذا أَجزْتَ الوطء لزم أن يباشرها في حال النزع وهى محرمة، وهذا إنما يُجَوَّزه للضرورة، لا يجوزه ابتداء، وذلك يقول : النزع ليس بمحرم.


الصفحة التالية
Icon