وقال في حق المنافقين :﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [ المنافقون : ٦ ]، لكن هذا اللفظ العام في الذنوب هو مطلق في المذنبين، فالمذنب لم يتعرض له بنفي ولا إثبات، لكن يجوز أن يكون مغفورًا له، ويجوز ألا يكون مغفورًا له؛ إنْ أتى بما يوجب المغفرة غُفِر له، وإن أَصَرَّ على ما يناقضها، لم يُغْفَر له.
وأما جنس الذنب فإن الله يغفره في الجملة؛ الكفر والشرك وغيرهما، يغفرها لمن تاب منها، ليس في الوجود ذنب لا يغفره الرب تعالى، بل ما من ذنب إلا والله تعالى يغفره في الجملة.
وهذه آية عظيمة جامعة من أعظم الآيات نفعًا، وفيها رد على طوائف؛ رد على من يقول : إن الداعى إلى البدعة لا تقبل توبته، ويحتجون بحديث إسرائىلى، فيه :( أنه قيل لذلك الداعية : فكيف بمن أضللتَ ؟ )، وهذا يقوله طائفة ممن ينتسب إلى السنة والحديث، وليسوا من العلماء بذلك، كأبى على الأهوازى وأمثاله، ممن لا يميزون بين / الأحاديث الصحيحة والموضوعة، وما يحتج به وما لا يحتج به، بل يَرْوون كل ما في الباب محتجين به
وقد حكى هذا طائفة قولا في مذهب أحمد أو رواية عنه، وظاهر مذهبه مع مذاهب سائر أئمة المسلمين أنه تقبل توبته كما تقبل توبة الداعى إلى الكفر، وتوبة من فتن الناس عن دينهم.
وقد تاب قادة الأحزاب مثل : أبى سفيان بن حرب، والحارث بن هشام، وسُهَيْل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وعِكْرِمة بن أبى جهل، وغيرهم بعد أن قُتِل على الكفر ـ بدعائهم ـ من قتل، وكانوا من أحسن الناس إسلامًا وغفر الله لهم. قال تعالى :﴿ قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ﴾ [ الأنفال : ٣٨ ]. وعمرو بن العاص كان من أعظم الدعاة إلى الكفر والإيذاء للمسلمين، وقد قال له النبى ﷺ لما أسلم :( يا عمرو، أما علمت أن الإسلام يَجُبُّ ما كان قبله ؟ ).