وهو ـ سبحانه ـ في آل عمران ذكر المرتدين، ثم ذكر التائبين منهم، ثم ذكر من لا تقبل توبته، ومن مات كافرًا، فقال :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ﴾ [ آل عمران : ٩٠، ٩١ ]. وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالًا؛ قيل : لنفاقهم، وقيل :/ لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه، وقيل : لن تقبل توبتهم بعد الموت، وقال الأكثرون، كالحسن وقتادة وعطاء الخراسانى والسدى : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت، فيكون هذا كقوله :﴿ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ﴾ [ النساء : ١٨ ].
وكذلك قوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾ [ النساء : ١٣٧ ]، قال مجاهد وغيره من المفسرين : ازدادوا كفرًا ثبتوا عليه حتى ماتوا.
قلت : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفرًا بعد كفر، فقوله :﴿ ثُمَّ ازْدَادُواْ ﴾ بمنزلة قول القائل : ثم أصروا على الكفر، واستمروا على الكفر، وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم ثم زاد كفرهم ما نقص، فهؤلاء لاتقبل توبتهم، وهى التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ورجع عن كفره، فلم يزدد، بل نقص؛ بخلاف المُصِر إلى حين المعاينة، فما بقى له زمان يقع لنقص كفره فضلًا عن هدمه.


الصفحة التالية
Icon