ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة، / لا شرعًا ولا قدرًا، والعقوبات التى تقام من حدٍّ، أو تعزير، إما أن يثبت سببها بالبينة، مثل قيام البينة بأنه زنا أو سرق أو شرب، فهذا إذا أظهر التوبة لم يوثق بها، ولو دُرِئ الحد بإظهار هذا لم يقم حد، فإنه كل من تقام عليه البينة يقول : قد تُبت، وإن كان تائبًا في الباطن، كان الحد مكفرًا، وكان مأجورًا على صبره، وأما إذا جاء هو بنفسه فاعترف وجاء تائبًا، فهذا لا يجب أن يقام عليه الحد في ظاهر مذهب أحمد، نص عليه في غير موضع، وهى من مسائل التعليق، واحتج عليها القاضى بعدة أحاديث. وحديث الذى قال :( أصبت حدًا فأقمه علىَّ، فأْقيمت الصلاة ) يدخل في هذا؛ لأنه جاء تائبًا، وإن شهد على نفسه كما شهد به ماعز والغامدية واختار إقامة الحد أقيم عليه، وإلاَّ فلا، كما في حديث ماعز :( فهلاَّ تركتموه ؟ ). والغامدية ردها مرة بعد مرة.
فالإمام والناس ليس عليهم إقامة الحد على مثل هذا، ولكن هو إذا طلب ذلك أقيم عليه، كالذى يذنب سرًا، وليس على أحد أن يقيم عليه حدًا، لكن إذا اختار هو أن يعترف ويقام عليه الحد، أقيم، وإن لم يكن تائبًا، وهذا كقتل الذى ينغمس في العدو هو مما يرفع الله به درجته كما قال النبى ﷺ :( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مَكْسٍ لغفر له، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ؟ ).


الصفحة التالية
Icon