وكذلك قال :﴿ وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ ﴾ إلى قوله :﴿ وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [ الأنعام : ٩١، ٩٢ ]، فهذا ـ وما أشبهه مما فيه اقتران التوراة بالقرآن وتخصيصها بالذكر ـ يبين ما ذكروه من أن التوراة هي الأصل، والإنجيل تَبَعٌ لها في كثير من الأحكام، وإن كان مغايرًا لبعضها.
فلهذا يذْكَرُ الإنجيل مع التوراة والقرآن في مثل قوله :﴿ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ [ آل عمران : ٢، ٣ ]، وقال :﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ﴾ [ التوبة : ١١١ ]، فيذكر الثلاثة تارة، ويذكر القرآن مع التوراة وحدها تارة؛ لسر، وهو : أن الإنجيل من وجه : أصل، ومن وجه : تبع؛ بخلاف القرآن مع التوراة؛ فإنه أصل من كل وجه، بل هو مهيمن على ما بين يديه من الكتاب، وإن كان موافقًا للتوراة في أصول الدين، وكتبه من الشرائع. والله أعلم.