سورة الطلاق
وقال :
فصل
وأما قوله :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [ الطلاق : ٢، ٣ ]، فقد بين فيها : أن المتقي يدفع الله عنه المضرة، بما يجعله له من المخرج، ويجلب له من المنفعة، بما ييسره له من الرزق، والرزق اسم لكل ما يغتَذي به الإنسان، وذلك يعم رزق الدنيا ورزق الآخرة. وقد قال بعضهم : ما افتقر تقي قط، قالوا : ولم ؟ قال : لأن الله يقول :﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾.
وقول القائل : قد نري من يتقي وهو محروم. ومن هو بخلاف ذلك وهو مرزوق.
فجوابه : أن الآية اقتضت أن المتقي يرزق من حيث لا يحتسب، ولم تدل على أن غير المتقي لا يرزق، بل لابد لكل مخلوق من الرزق، قال الله تعالى :﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا ﴾ [ هود : ٦ ] حتي / إن ما يتناوله العبد من الحرام هو داخل في هذا الرزق، فالكفار قد يرزقون بأسباب محرمة، ويرزقون رزقا حسنًا، وقد لا يرزقون إلا بتكلف، وأهل التقوي يرزقهم الله من حيث لا يحتسبون، ولا يكون رزقهم بأسباب محرمة، ولا يكون خبيثًا، والتَّقِي لا يحرم ما يحتاج إليه من الرزق، وإنما يحمَى من فضول الدنيا، رحمة به وإحسانًا إليه، فإن توسيع الرزق قد يكون مضرة على صاحبه، وتقديره يكون رحمة لصاحبه.
قال تعالى :﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا ﴾ [ الفجر : ١٥ - ١٧ ] أي : ليس الأمر كذلك، فليس كل من وسع عليه رزقه يكون مكرمًا، ولا كل من قُدِرَ عليه رزقه يكون مهانًا، بل قد يوسع عليه رزقه إملاء واستدراجا، وقد يقدر عليه رزقه حماية وصيانة له، وضيق الرزق على عبد من أهل الدين قد يكون لما له من ذنوب وخطايا، كما قال بعض السلف : إن العبد لَيحرَم الرزق بالذنب يصيبه، وفي الحديث عن النبي ﷺ :( من أكثر الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب ).