ثم جعل للتقوي فائدتين : أن يجعل له مخرجا، وأن يرزقه من / حيث لا يحتسب. والمخرج هو موضع الخروج، وهو الخروج، وإنما يطلب الخروج من الضيق والشدة، وهذا هو الفرج والنصر والرزق، فَبَين أن فيها النصر والرزق، كما قال :﴿ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ [ قريش : ٤ ] ؛ ولهذا قال النبي ﷺ :( وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ بدعائهم، وصلاتهم، واستغفارهم ) هذا لجلب المنفعة، وهذا لدفع المضرة.
وأما التوكل فَبَين أن الله حسبه، أي : كافيه، وفي هذا بيان التوكل علي الله من حيث أن الله يكفي المتوكل عليه، كما قال :﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ [ الزمر : ٣٦ ] خلافا لمن قال : ليس في التوكل إلا التفويض والرضا. ثم إن الله بالغ أمره، ليس هو كالعاجز، ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [ الطلاق : ٣ ] وقد فسروا الآية بالمخرج من ضيق الشبهات بالشاهد الصحيح، والعلم الصريح، والذوق، كما قالوا : يعلمه من غير تعليم بَشَرٍ، ويفطنه من غير تجربة، ذكره أبو طالب المكي، كما قالوا في قوله :﴿ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا ﴾ [ الأنفال : ٢٩ ] أنه نور يفرق به بين الحق والباطل، كما قالوا : بصرًا، والآية تعم المخرج من الضيق الظاهر والضيق الباطن، قال تعالى :﴿ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء ﴾ [ الأنعام : ١٢٥ ]، وتعم ذوق الأجساد وذوق القلوب، من العلم والإيمان، كما قيل مثل ذلك في قوله :﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [ البقرة : ٣ ]، وكما قال :﴿ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ﴾ [ الأنعام : ٩٩ ]، وهو القرآن والإيمان.


الصفحة التالية
Icon