فكتبت : خبر الرؤية صحيح. وهي واجبة كما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه دلالة على أن الله يري لا في جهة؛ لأنه ﷺ قال :( لا تضامون في رؤيته )، ومعناه : لا تضمكم جهة واحدة في رؤيته، فإنه لا في جهة. وكلامًا طويلا من كل وجه ملأت ظهر الرقعة وبطنها منه.
فلما رُدَّت إليه، أنفذها إلى حاكم البلد، وهو أبو محمد الناصحي، واستفتاه فيما قلته، فجمع قومًا من الحنفية، والكرامية، فكتب هو ـ أعزك الله : بأن من قال بأن الله لا يري في جهة مبتدع ضال، وكتب أبو حامد المعتزلي مثله، وكتب إنسان بسطامي مؤدب في دار / صاحب الجيش مثله، فردوا عليه، فأنفذ إلى ما في ذلك المحضر الذي فيه خطوطهم، وكتب إلى رقعة وقال فيها : إنهم كتبوا هكذا. فما تقول في هذه الفتاوى ؟
فقلت : إن هؤلاء القوم يجب أن يسألوا عن مسائل الفقه التي يقال فيها بتقليد العامي للعالم؛فأما معرفة الأصول والفتاوى فيها فليس من شأنهم، وهم يقولون : إنا لا نحسن ذلك.
قلت : قول هؤلاء : إن اللّه يري من غير معاينة ومواجهة. قول انفردوا به دون سائر طوائف الأمة، وجمهور العقلاء على أن فساد هذا معلوم بالضرورة.
والأخبار المتواترة عن النبي ﷺ ترد عليهم، كقوله في الأحاديث الصحيحة :( إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر لا تضارون في رؤيته )، وقوله ـ لما سأله الناس ـ : هل نري ربنا يوم القيامة ؟ قال :( هل ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب ؟ ) قالوا : نعم. ( وهل ترون القمر صحوًا ليس دونه سحاب ؟ ) قالوا : نعم. قال :( فإنكم ترون ربكم كما ترون الشمس والقمر ).