ولهذا كان الخالق لابد أن يعلم ما خلق. فإنه قد أراده، وأراد الغاية التي خلقه لها، والإرادة مستلزمة للعلم. فيمتنع أن يريد الحى ما لا شعور له به.
والصانع إذا أراد أن يصنع شيئًا فقد عَلِمه وأراده، وقدر في نفسه ما يصنعه، والغاية التي ينتهي إليها، وما الذي يوصله إلى تلك الغاية.
والله ـ سبحانه ـ قدر وكتب مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ﷺ أنه قال :( قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء ).
وفي البخارى عن عمران بن حُصَيْن، عن النبي ﷺ قال :( كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض )، وفي رواية :( ثم خلق السموات والأرض ).
فقد قدر ـ سبحانه ـ ما يريد أن يخلقه من هذا العالم حين كان عرشه على الماء إلى يوم القيامة، كما في السنن عن النبي ﷺ أنه قال :( أول ما خلق الله القلم، فقال : اكتب. فقال : ما أكتب ؟ فقال : اكتب ما يكون إلى يوم القيامة ).
وأحاديث تقديره ـ سبحانه ـ وكتابته لما يريد أن يخلقه كثيرة جدًا.
روى ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه سئل عن قوله :﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [ القمر : ٤٩ ]، فقال : قال ابن عباس : إن الله قدر المقادير بقدرته ودبر الأمور بحكمته، وعلم ما العباد صائرون إليه، وما هو خالق وكائن من خلقه، فخلق الله لذلك جنة ونارًا، فجعل الجنة لأوليائه وعرفهم وأحبهم وتولاهم ووفقهم وعصمهم، وترك أهل النار استحوذ عليهم إبليس وأضلهم وأزلهم.
فخلق لكل شيء ما يشاكله في خلقه ـ ما يصلحه من رزقه في بر أو في بحر ـ فجعل للبعير خلقًا لا يصلح شيء من خلقه على غيره من الدواب. وكذلك كل دابة خلق الله له منها ما يشاكلها في خلقها، فخلقه مؤتلف لما خلقه له غير مختلف.


الصفحة التالية
Icon