الفائدة الثانية : أن التذكر سبب الخشية، والخشية حاصلة عن التذكر. فَذَكَرَ التذكر الذي هو السبب، وذَكَرَ الخشية التي هى النتيجة ـ وإن كان أحدهما مستلزما للآخر ـ كما قال :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ ق : ٣٧ ]، وكما قال أهل النار :﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [ الملك : ١٠ ]، وقال :﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [ الحج : ٤٦ ] فكل من النوعين يحصل به النجاة لأنه مستلزم للآخر.
فالذي يسمع ما جاءت به الرسل ـ سمعًا يعقل به ما قالوه ـ ينجو. وإلا فالسمع بلا عقل لا ينفعه، كما قال :﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [ محمد : ١٦ ]، وقال :﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [ يونس : ٤٢ ]، وقال :﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ يوسف : ٢ ].
وكذلك العقل بلا سمع لما جاءت به الرسل لا ينفع. وقد اعترف أهل النار بمجيء الرسل فقالوا :﴿ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ﴾ [ الملك : ٩ ].


الصفحة التالية
Icon