ولهذا لم يذكر عن النبي ﷺ في إثبات القدر إلا هذه الآية دون الثانية، كما في صحيح مسلم عن أبي الأسود الدؤلى [ هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلى الكنانى، واضع علم النحو، كان معدودًَا من الفقهاء والأعيان والأمراء والشعراء والفرسان من التابعين، رسم له على بن أبي طالب شيئًا من أصول النحو فكتب فيه أبو الأسود، وأخذه عنه جماعة، سكن البصرة في خلافة عمر، وولى إمارتها في أيام على، وكان قد شهد صفين، مات بالبصرة عام ٦٩هـ ] قال : قال لى عمران بن حصين : أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، أشيء قُضِىَ عليهم ومضى عليهم من قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم، وثبتت الحجة عليهم ؟ فقلت : بل شيء قضى عليهم، ومضى عليهم. قال : فقال : أفلا يكون ذلك ظلمًا ؟ قال : ففزعت من ذلك فزعًا شديدًا وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون. فقال لى : يرحمك الله : إنى لم أرد بما سألتك إلا لأحرز عقلك. فإن رجلين من مزينة أتيا رسول الله ﷺ فقالا : يا رسول الله، أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أشيء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر / قد سبق، أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال :( لا، بل شيء قضى عليهم ومضى فيهم )، وتصديق ذلك في كتاب الله ـ عز وجل ـ :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾. فبين النبي ﷺ أن تصديق ما أخبر به من القضاء قوله :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾.
والذي في الحديث هو القدر السابق من علم الله وكتابه وكلامه، وهذا إنما تنكره غالية القدرية. وأما الذي في القرآن فهو خلق الله أفعال العباد وهذا أبلغ. فإن القدرية المجوسية تنكره.
فالذي في القرآن يدل على ما في الحديث وزيادة، ولهذا جعله النبي ﷺ مصدقًا له. وذلك من وجوه :


الصفحة التالية
Icon