وهنا كلا الطائفتين المختلفتين المفترقتين مذمومة. وهذا شأن عامة / الافتراق والاختلاف في هذه الأمة وغيرها. وهذا من ذلك. فإنهم اشتركوا في أن كون الرب خالقًا لفعل العبد ينافي كون فعله منقسمًا إلى حسن وقبيح. وهذه المقدمة اشتركوا فيها ـ جدلا ـ من غير أن تكون حقًا في نفسها أو عليها حجة مستقيمة.
وهى إحدى المقدمتين التي يعتمدها الرازي في مسألة التحسين والتقبيح. فإنه اعتقد في [ محصوله ] وغيره على أن العبد مجبور على فعله، والمجبور لا يكون فعله قبيحًا، فلا يكون شيء من أفعال العباد قبيحًا.
وهذه الحجة بنفي ذلك أصلها حجة المشركين المكذبين للرسل، الذين قالوا :﴿ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ ﴾ [ الأنعام : ١٤٨ ]، فإنهم نفوا قبح الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله من الطيبات بإثبات القدر.
لكن هؤلاء الذين يحتجون بالجبر على نفي الأحكام، إذا أقروا بالشرع لم يكونوا مثل المشركين من كل وجه. ولهذا لم يكن المتكلمون المقرون بالشريعة كالمشركين، وإن كان فيهم جزء من باطل المشركين.
لكن يوجد في المتكلمين والمتصوفة طوائف يغلب عليهم الجبر حتى / يكفروا ـ حينئذ ـ بالأمر والنهي والوعد والوعيد والثواب والعقاب، إما قولا، وإما حالا وعملا. وأكثر ما يقع ذلك في الأفعال التي توافق أهواءهم، يطلبون بذلك إسقاط اللوم والعقاب عنهم، ولا يزيدهم ذلك إلا ذمًا وعقابًا كالمستجير من الرمضاء بالنار.
فإن هذا القول لا يطرد العمل به لأحد، إذ لا غنى لبنى آدم ـ بعضهم من بعض ـ من إرادة شيء والأمر به، وبغض شيء والنهي عنه. فمن طلب أن يسوى بين المحبوب والمكروه، والمرضى والمسخوط، والعدل والظلم، والعلم والجهل، والضلال والهدى، والرشد والغى، فإنه لا يستمر على ذلك أبدًا. بل إذا حصل له ما يكرهه ويؤذيه فر إلى دفع ذلك، وعقوبة فاعله بما قدر عليه حتى يعتدي في ذلك.


الصفحة التالية
Icon