وكذلك إذا ذكرهم مع الأمم المكذبة لم يذكر عنهم ما يذكر عن أولئك من التجبر والتكبر والأعمال السيئة، كاللواط، وبخس المكيال والميزان، والفساد في الأرض، كما في سورة هود، والشعراء وغيرهما. فكان في قوم لوط ـ مع الشرك ـ إتيان الفواحش التي / لم يسبقوا إليها؛ وفي عاد ـ مع الشرك ـ التجبر، والتكبر، والتوسع في الدنيا، وشدة البطش، وقولهم :﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾، وفي أصحاب مدين ـ مع الشرك ـ الظلم في الأموال. وفي قوم فرعون الفساد في الأرض، والعلو.
وكان عذاب كل أمة بحسب ذنوبهم وجرائمهم. فعذب قوم عاد بالريح الشديدة العاتية التي لا يقوم لها شيء، وعذب قوم لوط بأنواع من العذاب لم يعذب بها أمة غيرهم. فجمع لهم بين الهلاك، والرجم بالحجارة من السماء، وطمس الأبصار، وقلب ديارهم عليهم بأن جعل عاليها سافلها، والخسف بهم إلى أسفل سافلين. وعذب قوم شعيب بالنار التي أحرقتهم، وأحرقت تلك الأموال التي اكتسبوها بالظلم والعدوان.
وأما ثمود فأهلكهم بالصيحة، فماتوا في الحال. فإذا كان هذا عذابه لهؤلاء وذنبهم ـ مع الشرك ـ عقر الناقة التي جعلها الله آية لهم، فمن انتهك محارم الله، واستخف بأوامره ونواهيه، وعقر عباده وسفك دماءهم، كان أشد عذابًا.
ومن اعتبر أحوال العالم قديمًا وحديثًا، وما يعاقب به من يسعى في الأرض بالفساد، وسفك الدماء بغير حق، وأقام الفتن، واستهان بحرمات الله، علم أن النجاة في الدنيا والآخرة للذين آمنوا وكانوا يتقون.