والمقصود ـ هنا ـ أن بيان هذه الأصول وقع في أول ما أنزل من القرآن. فإن أول ما أنزل من القرآن :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [ العلق : ١ ]، عند جماهير / العلماء. وقد قيل :﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ﴾ [ المدثر : ١ ]، روى ذلك عن جابر. والأول أصح. فإن ما في حديث عائشة الذي في الصحيحين يبين أن أول ما نزل :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ نزلت عليه وهو في غار حراء، وأن [ المدثر ] نزلت بعد.
وهذا هو الذي ينبغى. فإن قوله :﴿ اقْرَأْ ﴾ أمر بالقراءة، لا بتبليغ الرسالة، وبذلك صار نبيًا. وقوله :﴿ قُمْ فَأَنذِرْ ﴾ [ المدثر : ٢ ]، أمر بالإنذار، وبذلك صار رسولًا منذرًا.
ففي الصحيحين من حديث الزهرى، عن عروة، عن عائشة قالت : أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يأتى غار حراء فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك. ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء.
فجاءه الملك فقال :( اقرأ )
قال :( ما أنا بقارئ )
قال :( فأخذني فغطني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ )
فقلت :( ما أنا بقارئ )
( فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ منى الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ ).
فقلت :( ما أنا بقارئ )
( فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ ) [ العلق : ١ - ٥ ].
فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده. فدخل على خديجة بنت خويلد فقال :( زملوني. زملوني ) فزملوه حتى ذهب عنه الروع.
فقال لخديجة ـ وأخبرها الخبر :( لقد خشيت على نفسي )


الصفحة التالية
Icon