وهذا بنوه على أن الأجسام المركبة من الجواهر المنفردة التي لا تقبل القسمة، وقالوا : إن الأجسام لا يستحيل بعضها إلى بعض.
وجمهور العقلاء من السلف، وأنواع العلماء، وأكثر النظار، يخالفون هؤلاء فيما يثبتون من الجوهر الفرد، ويثبتون استحالة الأجسام بعضها إلى بعض، ويقولون بأن الرب لا يزال يحدث الأعيان، كما دل على ذلك القرآن.
ولهذا كانت هذه الطريق باطلة عقلا وشرعًا، وهي مكابرة للعقل فإن كون الإنسان مخلوقًا محدثًا كائنًا بعد أن لم يكن أمر معلوم بالضرورة لجميع الناس. وكل أحد يعلم أنه حدث في بطن أمه بعد أن لم يكن، وأن عينه حدثت كما قال تعالى :﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [ مريم : ٩ ]، وقال تعالى :﴿ أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ﴾ [ مريم : ٦٧ ].
ليس هذا مما يستدل عليه، فإنه أبين وأوضح مما يستدل به عليه لو كان صحيحًا. فكيف إذا كان باطلًا.
وقولهم : إن الحادث أعراض فقط، وإنه مركب من الجواهر الفردة، قولان باطلان لا يعلم صحتهما. بل يعلم بطلانهما.
ويعلم حدوث جوهر الإنسان وغيره من المادة التي خلق منها، وهي العلق كما قال :﴿ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [ العلق : ٢ ].
وكونه مركبًا من جواهر فردة ليس صحيحًا. ولو كان صحيحًا لم يكن معلومًا إلا بأدلة دقيقة لا تكون هي أصل الدين الذي هو مقدمات أولية. فإن تلك المقدمات يجب أن تكون بينة أولية، معلومة بالبديهة.
فطريقهم تضمن جحد المعلوم، وهو حدوث الأعيان الحادثة، وهذا معلوم للخلق؛ وإثبات ما ليس بمعلوم، بل هو باطل، وأن الإحداث لها إنما هو جمع وتفريق للجواهر، وأنه إحداث أعراض فقط.