كالذين أثبتوا الجواهر المنفردة وقالوا : إن الحركات في نفسها لا تنقسم إلى سريع وبطىء، إذ كانت الحركة عندهم منقسمة كانقسام المتحرك، وكذلك الزمان وأجزاء الزمان. والحركة والمتحرك عندهم واحد لا ينقسم فإذا كان المتحركان سواء وحركة أحدهما أسرع قالوا : إنما ذاك لتخلل السكنات. وادعوا أن الرحا والدولاب وكل مستدير إذا تحرك فإن زمان حركة المحيط والطوق الصغير واحد مع كثرة أجزاء المحيط، فيجب أن تكون حركتها أكثر، فيكون زمانها أكثر، وليس هو بأكثر، / فادَّعوا أنها تنفك ثم تتصل. وهذه مكابرة من جنس ( طفرة النَّظَّام ) [ هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هانئ البصرى النظام، من أئمة المعتزلة قال الجاحظ : الأوائل يقولون : في كل سنة رجل لا نظير له، فإن صح ذلك فأبو إسحاق من هؤلاء الضلال وصدق فيما قال ـ رأس الفرقة النظامية ـ قد ألفت كتب في الرد على ضلاله وكفره، وفي لسان الميزان : أنه متهم بالزندقة ].
وكذلك الذين قالوا : بأن العرض لا يبقى زمانين خالفوا الحس وما يعلمه العقلاء بضرورة عقولهم. فإن كل أحد يعلم أن لون جسده الذي كان لحظة هو هذا اللون. وكذلك لون السماء، والجبال، والخشب، والورق، وغير ذلك.
ومما ألجأهم إلى هذا، ظنهم أنهما لو كانا باقيين لم يمكن إعدامهما، فإنهم حاروا في إفناء الله الأشياء إذا أراد أن يفنيها، كما حاروا في إحداثها. وحيرتهم في الإفناء أظهر. هذا يقول : يخلق فناء لا في محل، فيكون ضدًا لها، فتفنى بضدها. وهذا يقول : يقطع عنها الأعراض مطلقًا، أو البقاء الذي لا تبقى إلا به، فيكون فناؤها لفوات شرطها.
ومن أسباب ذلك ظنهم، أو ظن من ظن منهم، أن الحوادث لا تحتاج إلى الله إلا حال إحداثها، لا حال بقائها، وقد قالوا : إنه قادر على إفنائها. فتكلفوا هذه الأقوال الباطلة.