وهذا لم يأت به كتاب ولا سنة، ولا دل عليه عقل. بل الكتاب والسنة يبين أن الله يحيل العالم من حال إلى حال، كما يشق السماء، ويجعل الجبال كالعهن، ويكور الشمس، إلى غير ذلك مما أخبر الله في كتابه ـ لم يخبر أن جميع الأشياء تعدم ثم تعاد.
ثم منهم من يقول : إنها تعدم بعد ذلك لامتناع وجود حوادث لا آخر لها، كما تقوله الجهمية. وهذا مما أنكره عليهم السلف والأئمة، كما قد ذكر في غير هذا الموضع.
وهؤلاء إنما قالوا هذا طردًا لقولهم بامتناع دوام جنس الحوادث، وقالوا : ما وجب أن يكون له ابتداء وجب أن يكون له انتهاء، كما قد بسط هذا وبين فساد هذا الأصل.
فَصْل
وهو ـ سبحانه ـ تارة يذكر خلق الإنسان مجملًا، وتارة يذكره مفصلا، كقوله :﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [ المؤمنون : ١٢- ١٤ ]. ثم ذكر المعادين الأصغر والأكبر، فقال :﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ﴾ [ المؤمنون : ١٥، ١٦ ].
ومن الناس من يقول : لم دخلت لام التوكيد في الموت ـ وهو مشاهد ـ ولم تدخل في البعث ـ وهو غيب ـ فيحتاج إلى التوكيد ؟ وذلك ـ والله أعلم ـ أن المقصود بذكر الموت والبعث هو الإخبار بالجزاء والمعاد، وأول ذلك هو الموت. فنبه على الإيمان بالمعاد، والاستعداد لما بعد الموت.
وهو إنما قال :[ تبعثون ] ـ فقط ـ ولم يقل :[ تجازون ]، لكن قد علم أن البعث للجزاء.


الصفحة التالية
Icon