وأتباعه الذين عرفوا رأيه في تلك الأصول، ووافقوه أظهروا من مخالفة أهل السنة والحديث ما هو لازم لقولهم، ولم يهابوا أهل السنة والحديث ويعظموا ويعتقدوا صحة مذاهبهم كما كان هو يرى ذلك.
والطائفتان ـ أهل السنة والجهمية ـ يقولون : إنه تناقض، لكن السنى يحمد موافقته لأهل الحديث ويذم موافقته للجهمية، والجهمى يذم موافقته لأهل الحديث ويحمد موافقته للجهمية.
ولهذا كان متأخرو أصحابه ـ كأبي المعالى ونحوه ـ أظهر تجهمًا وتعطيلًا من متقدميهم. وهي مواضع دقيقة، يغفر الله لمن أخطأ فيها بعد اجتهاده.
لكن الصواب ما أخبر به الرسول، فلا يكون الحق في خلاف ذلك ـ قط ـ والله أعلم.
ومن أعظم الأصول التي دل عليها القرآن في مواضع كثيرة جدًا، وكذلك الأحاديث، وسائر كتب الله، وكلام السلف، وعليها تدل / المعقولات الصريحة، هو إثبات الصفات الاختيارية، مثل أنه يتكلم بمشيئته وقدرته كلامًا يقوم بذاته، وكذلك يقوم بذاته فِعْلُه الذي يفعله بمشيئته.
فإثبات هذا الأصل يمنع ضلال الطوائف الذين كذبوا به، والقرآن والحديث مملوء، وكلام السلف والأئمة مملوء من إثباته.
فالحق المحض؛ ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يكون الحق في خلاف ذلك. لكن الهدى التام يحصل بمعرفة ذلك وتصوره. فإن الاختلاف تارة ينشأ من سوء الفهم ونقص العلم، وتارة من سوء القصد.
والناس يختلفون في العلم والإرادة ـ في تعدد ذلك وإيجاده.
ومعلوم أن ما يقوم بالنفس من إرادة الأمور، لا يمكن أن يقال فيه. العلم بهذا هو العلم بهذا، ولا إرادة هذا هو إرادة هذا. فإن هذا مكابرة وعناد.


الصفحة التالية
Icon