والعلم يشبه بالماء، كقوله ﷺ :( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا..... الحديث ). وقد قال :﴿ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ إلى قوله :﴿ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ﴾ [ الرعد : ١٧ ].
وماخلقه الرب تعالى فإنه يراه، ويسمع أصوات عباده. والمعدوم لا يرى باتفاق العقلاء.
والسالمية ـ كأبي طالب المكي وغيره ـ لم يقولوا : إنه يرى قائمًا بنفسه، وإنما قالوا : يراه الرب في نفسه ـ وإن كان هو معدومًا في ذات الشيء المعدوم. فهم يجعلون الرؤية لما يقوم بنفس العالم من صورته العلمية / ما هو عدم محض. وهم ـ وإن كانوا غلطوا في بعض ما قالوه فلم يقولوا : إن العدم المحض الذي ليس بشيء يرى ـ فإن هذا لا يقوله عاقل. وفي الحقيقة إذا رؤى شيء فإنما رؤى مثاله العلمى، لا عينه.
وأبو الشيخ الأصبهانى لما ذكرت هذا المسألة أَمَرَ بالإمساك عنها.
فقبل أن يوجد لم يكن يرى، وبعد أن يعدم لا يرى، وإنما يرى حال وجوده. وهذا هو الكمال في الرؤية.
وكذلك سمع أصوات العباد هو عند وجودها، لا بعد فنائها، ولا قبل حدوثها. قال تعالى :﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ التوبة : ١٠٥ ] وقال :﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [ يونس : ١٤ ].
فَصْل
الرسول ﷺ بعثه الله ـ تعالى ـ هدى ورحمة للعالمين. فإنه كما أرسله بالعلم والهدى، والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم / واحتماله. فبعثه بالعلم، والكرم، والحلم، عليم هاد، كريم محسن، حليم صفوح.


الصفحة التالية
Icon