وقوله :﴿ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [ الرحمن : ٢٧ ]. فيه ثلاثة أقوال؛ قيل : أهْلٌ أن يُجَلَ وأَن يُكْرَم، كما يقال : إنه ﴿ أَهْلُ التَّقْوَى ﴾ [ المدثر : ٥٦ ]، أي : المستحق لأن / يُتَّقَى. وقيل : أَهْلٌ أن يُجَلَّ في نفسه، وأن يكرم أهل ولايته وطاعته. وقيل : أهل أن يُجَلَّ في نفسه وأهل أن يكرم.
ذكر الخَطَّأبي الاحتمالات الثلاثة، ونقل ابن الجوزي كلامه فقال : قال أبو سليمان الخطابي : الجلال مصدر الجليل، يقال : جليل بين الجلالة والجلال. والإكرام مصدر أكرم، يكرم، إكرامًا. والمعنى : أنه يكرم أهل ولايته وطاعته، وأن الله يستحق أن يُجَلَّ ويكرم، ولا يجحد ولا يكفر به، قال : ويحتمل أن يكون المعنى : يَكْرِم أهل ولايته ويرفع درجاتهم.
قلت : وهذا الذي ذكره البغوى فقال :﴿ ذُو الْجَلَالِ ﴾ : العظمة والكبرياء ﴿ وَالْإِكْرَامِ ﴾ : يكرم أنبياءه وأولياءه بلطفه ـ مع جلاله وعظمته.
قال الخطَّابي : وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين ـ وهو الجلال ـ مضافًا إلى الله بمعنى الصفة له، والآخر مضافًا إلى العبد بمعنى الفعل، كقوله تعالى :﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ [ المدثر : ٥٦ ]، فانصرف أحد الأمرين إلى الله وهو المغفرة، والآخر إلى العباد وهي التقوى.
قلت : القول الأول هو أقربها إلى المراد، مع أن الجلال ـ هنا ـ / ليس مصدر جل جلالا، بل هو اسم مصدر أجل إجلالًا، كقول النبي ﷺ :( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن، غير الغالى فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذى السلطان المقسط ). فجعل إكرام هؤلاء من جلال الله، أى : من إجلال الله، كما قال :﴿ وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ [ نوح : ١٧ ]. وكما يقال : كلَّمه كلامًا، وأعطاه عطاء، والكلام والعطاء اسم مصدر التكليم والإعطاء.
والجلال قُرِن بالإكرام، وهو مصدر المتعدى، فكذلك الإكرام.


الصفحة التالية
Icon