وهذه الآية مما يستدل به على ذلك، فإن أول ما أوجب الله على رسوله وعلى المؤمنين هو ما أُمر به في قوله :﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾.
والذين قالوا : المعرفة لا تحصل إلا بالنظر، قالوا : لو حصلت بغيره لسقط التكليف بها، كما ذكر ذلك القاضى أبو بكر، وغيره.
فيقال لهم : وليس فيما قص الله علينا من أخبار الرسل أن منهم أحدًا أوجبها، بل هي حاصلة عند الأمم جميعهم. ولكن أكثر الرسل افتتحوا دعوتهم بالأمر بعبادة الله وحده دون ما سواه كما أخبر الله عن نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وقومهم كانوا مقرين بالخالق لكن كانوا مشركين يعبدون غيره، كما كانت العرب الذين بعث فيهم محمد ﷺ.
ومن الكفار من أظهر جحود الخالق، كفرعون حيث قال :﴿ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [ القصص : ٣٨ ]، وقال :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ]، وقال لموسى :﴿ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [ الشعراء : ٢٩ ]، وقال :﴿ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ﴾ [ غافر : ٣٦، ٣٧ ].