فهما يُشرّكانه، ويُهودانه، ويُنصرانه، ويُمجسانه. وقد بسط الكلام على هذا الحديث وأقوال الناس فيه في غير هذا الموضع.
وأيضا، مما يبين أن الإنسان قد يخفي عليه كثير من أحوال نفسه، فلا يشعر بها. إن كثيرًا من الناس يكون في نفسه حب الرياسة كامن لا يشعر به، بل إنه مخلص في عبادته وقد خفيت عليه عيوبه، وكلام الناس في هذا كثير مشهور؛ ولهذا سميت هذه :[ الشهوة الخفية ].
قال شداد بن أوس : يا بقايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. قيل لأبي داود السجستاني : ما الشهوة الخفية ؟ قال : حب الرياسة. فهي خفية تخفي على الناس، وكثيرًا ما تخفي على صاحبها.
بل كذلك حب المال والثروة، فإن الإنسان قد يحب ذلك ولا يدرى. بل نفسه ساكنة ما دام ذلك موجودًا، فإذا فقده ظهر من / جزع نفسه وتلفها ما دل على المحبة المتقدمة. والحب مستلزم للشعور، فهذا شعور من النفس بأمور وجب لها. والإنسان قد يخفي ذلك عليه من نفسه. لا سيما والشيطان يغطى على الإنسان أمورًا.
وذنوبه ـ أيضًا ـ تبقى رينًا على قلبه قال تعالى :﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ [ المطففين : ١٤، ١٥ ]. وفي الترمذى وغيره عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة؛ عن النبى ﷺ أنه قال :( إذا أذنب العبد نكتت في قلبه نكتة سوداء. فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه. فذلك الران الذي قال الله :﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ ) قال الترمذى : حديث حسن صحيح.
ومنه قوله تعالى :﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٨٨ ]


الصفحة التالية
Icon