إلا أن يقال : مرادهم بترك أمره هو ترك الإيمان به. فلما تركوا الإيمان أعقبهم بترك العمل. وهذا ـ أيضًا ـ ضعيف، فإن الإيمان الذي تركوه إن كان هو ترك التصديق ـ فقط ـ فكفي بهذا كفرًا وذنبًا. فلا تجعل العقوبة ترك العمل به، بل هذا أشد. وإن كان المراد بترك الإيمان، ترك الإيمان تصديقًا وعملا، فهذا هو ترك الطاعة كما تقدم.
وهؤلاء أتوا من حيث أرادوا أن يفسروا نسيان العبد بما قيل في نسيان الرب، وذاك قد فسر بالترك. ففسروا هذا بالترك. وهذا ليس بجيد، فإن النسيان المناقض للذكر جائز على العبد بلا ريب. والإنسان يعرض عما أمر به حتى ينساه، فلا يذكره. فلا يحتاج أن يجعل نسيانه تركًا مع استحضار وعلم.
وأما الرب تعالى فلا يجوز عليه ما يناقض صفات كماله ـ سبحانه وتعالى ـ وفي تفسير نسيانه الكفار بمجرد الترك نظر.
ثم هذا قيل في قوله تعالى :﴿ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ﴾ [ طه : ١٢٦ ]. / أي : تركت العمل بها. وهنا قال :﴿ نَسُواْ اللّهَّ ﴾، ولا يقال في حق الله :[ تركوه ].
فصل
قوله :﴿ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [ العلق : ١، ٢ ]، بيان لتعريفه بما قد عرف من الخلق عمومًا، وخلق الإنسان خصوصًا، وإن هذا مما تعرف به الفطرة كما تقدم.
ثم إذا عرف أنه الخالق فمن المعلوم بالضرورة أن الخالق لا يكون إلا قادرًا. بل كل فعل يفعله فاعل، لا يكون إلا بقوة وقدرة، حتى أفعال الجمادات. كهبوط الحجر والماء وحركة النار هو بقوة فيها. وكذلك حركة النبات هي بقوة فيه. وكذلك فعل كل حى من الدواب وغيرها هو بقوة فيها. وكذلك الإنسان وغيره.
والخلق أعظم الأفعال، فإنه لا يقدر عليه إلا الله، فالقدرة عليه أعظم من كل قدرة، وليس لها نظير من قدر المخلوقين.
وأيضًا، فالتعليم بالقلم يستلزم القدرة. فكل من الخلق والتعليم يستلزم القدرة.