وكذلك قوله :﴿ خَلَقَ ﴾ فإن الخالق قديم أزلى، مستغن بنفسه، واجب الوجود بنفسه، قيوم. ومعلوم أنه أحق بصفات الكمال من المخلوق المحدث الممكن.
فهذا من جهة قياس الأولى. ومن جهة الأثر، فإن الخالق لغيره / الذي جعله حيًا عالمًا قادرًا سميعًا بصيرًا، هو أولى بأن يكون حيا عالمًا قديرًا سميعًا بصيرًا.
و ﴿ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [ العلق : ٣ ـ ٥ ]. فجعله عليمًا، والعليم لا يكون إلا حيًا. وكرمه ـ أيضًا ـ أن يكون قديرًا سميعًا بصيرًا. والأكرم الذي جعل غيره عليمًا هو أولى أن يكون عليمًا. وكذلك في سائر صفات الكمال والمحامد.
فهذا استدلال بالمخلوق الخاص، والأول استدلال بجنس الخلق؛ ولهذا دل هذا على ثبوت الصفات بالضرورة من غير تكلف، وكذلك طريقة التفضيل والأولى، وأن يكون الرب أولى بالكمال من المخلوق.
وهذه الطرق لظهورها يسلكها غير المسلمين من أهل الملل وغيرهم كالنصارى، فإنهم أثبتوا أن الله قائم بنفسه حتى يتكلم بهذه الطريق، لكن سموه [ جوهرًا ]، وضلوا في جعل الصفات ثلاثة، وهي الأقانيم.
فقالوا : وجدنا الأشياء تنقسم إلى جوهر وغير جوهر، والجوهر أعلى النوعين، فقلنا : هو جوهر. ثم وجدنا الجوهر ينقسم إلى حى وغير حي، ووجدنا الحى أكمل، فقلنا : هو حي. ووجدنا الحى ينقسم إلى : ناطق وغير ناطق، فقلنا : هو ناطق.
وكذلك يقال لهم في سائر صفات الكمال : إن الأشياء تنقسم إلى قادر وغير قادر، والقادر أكمل. وقد بسط ما في كلامهم من صواب وخطأ في الكتاب الذي سميناه :[ الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ].
والمقصود ـ هنا ـ التنبيه على دلالة هذه الآية ـ وهذه الآيات التي هي أول ما نزل ـ على أصول الدين.


الصفحة التالية
Icon