ومن سمات الحدث النقائص، كالجهل، والعمى، والصمم، والبكم، فإن كل ما كان كذلك، لم يكن إلا محدثًا؛ لأن القديم الأزلي منزه عن ذلك؛ لأن القديم الأزلي متصف بنقيض هذه الصفات، وصفات الكمال لازمة له. واللازم يمتنع زواله إلا بزوال الملزوم. والذات قديمة أزلية، واجبة بنفسها، غنية عما سواها، يستحيل عليها العدم والفناء بوجه من الوجوه. فيستحيل عدم لوازمها، فيستحيل اتصافها بنقيض تلك اللوازم. فلا يوصف بنقيضها إلا المحدث، فهي من سمات الحدث المستلزمة لحدوث ما اتصف بها.
وهذا يدخل في قول القائل :[ كل ما استلزم حدوثًا أو نقصًا فالرب منزه عنه ]. والنقص المناقض لصفات كماله مستلزم لحدوث المتصف به، والحدوث مستلزم للنقص اللازم للمخلوق. فإن كل مخلوق فهو يفتقر إلى غيره، كائن بعد أن لم يكن لا يعلم إلا ما علم، ولا يقدر إلا ما أقدر، وهو محاط به مقدور عليه.
فهذه النقائص اللازمة لكل مخلوق هي ملزومة للحدوث، حيث كان حدوث كانت. والحدوث ـ أيضًا ـ ملزوم لها، فحيث كان محدث كانت هذه النقائص.
فقولنا :[ ما استلزم نقصًا أو حدوثًا فالرب منزه عنه ] حق. /والحدوث والنقص اللازم للمخلوق متلازمان. والرب منزه عن كل منهما من جهتين : من جهة امتناعه في نفسه. ومن جهة أنه مستلزم للآخر ـ وهو ممتنع في نفسه ـ فكل منهما دليل ومدلول عليه باعتبارين : على أن الرب منزه عنه، وعن مدلوله الذي هو لازمه.
والحاجة إلى الغير والفقر إليه مما يستلزم الحدوث والنقص اللازم للمخلوق. وقولى :[ اللازم ]، ليعم جميع المخلوقين، وإلا فمن النقائص ما يتصف بها بعض المخلوقين دون بعض. فتلك ليست لازمة لكل مخلوق.
والرب منزه عنها ـ أيضًا ـ لكن إذا نزه عن النقص اللازم لكل مخلوق فعن ما يختص به بعض المخلوقين أولى وأحرى. فإنه إذا كان مخلوق ينزه عن نقص، فالخالق أولى بتنزيهه عنه. وهذه طريقة [ الأولى ] كما دل عليها القرآن في غير موضع.