ولفظ البغوي نحو هذا. قال : لم يكونوا منتهين عن كفرهم وشركهم. وقال أهل اللغة :[ منفكين ] منفصلين زائلين، يقال : فككت الشيء فانفك، أي : انفصل. ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾، لفظه مستقبل ومعناه الماضي، أي : حتى أتتهم البينة ـ الحجة الواضحة ـ يعني محمدًا أتاهم بالقرآن، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم، ودعاهم إلى الإيمان. فأنقذهم اللّه به من الجهل والضلالة.
ولم يذكر غير هذا.
قال أبو الفرج : وذهب بعض المفسرين إلى أن معنى الآية : لم يختلفوا أن اللّه يبعث إليهم نبيًا حتى بعث، فافترقوا.
وقال بعضهم : لم يكونوا منفكين عن حُجَج اللّه حتى أقيمت عليهم البينة.
قال : والوجه هو الأول.
وذكر الثلاثة أبو محمد بن عطية، لكن الثالث وجهه وقواه، ولم يحكه عن غيره. فقال : قوله :﴿ مُنفَكِّينَ ﴾، أي : منفصلين متفرقين. تقول : انفك الشيء عن الشيء إذا انفصل عنه.
قال : و [ ما انفك ] التي هي من أخوات [ كان ] لا مدخل لها في هذه الآية، فبين في هذه أن تكون هذه الصفة منفكة.
قال : واختلف الناس عن ماذا ؟ فقال مجاهد وغيره : لم يكونوا منفكين عن الكفر والضلال حتى جاءتهم البينة، وأوقع المستقبل موقع الماضي في ﴿ تأْتِيَهُمُ ﴾ ؛ لأن بأس الشريعة وعِظَمِها لم يجئ بعد.
وقال الفراء وغيره : لم يكونوا منفكين عن معرفة نبوة محمد ﷺ والتوكد لأمره، حتى جاءتهم البينة فتفرقوا عند ذلك.
قال : وذهب بعض النحويين إلى أن هذا المنفي المتقدم مع [ منفكين ]، يجعلهم تلك هي مع [ كان ]، ويروي التقدير في خبرها :[ عارفين أمر محمد ]، أو نحو هذا.


الصفحة التالية
Icon