وبسط الكلام على هؤلاء وهؤلاء له مقام آخر.
والمقصود - هنا - أن هذه السورة دلت على ما تدل عليه مواضع أخر من القرآن. من أن الله يرسل الرسل إلى الناس تأمرهم وتنهاهم - يرسلهم مبشرين ومنذرين، كما قال تعالى :﴿ وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ﴾ [ الأنعام : ٤٨ ]، ينذرون الذين أساؤوا عقوبات أعمالهم، ويبشرون الذين آمنوا وعملوا الصاحات بالنعيم المقيم، و ﴿ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا ﴾ [ الكهف : ٢، ٣ ].
فقوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [ البينة : ١ ]، بيان منه أن الكفار لم يكن الله ليدعهم ويتركهم على ما هم عليه من الكفر، بل لا يفكهم حتى يرسل إليهم الرسول بشيرًا ونذيرًا ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ﴾ [ النجم : ٣١ ]
ومما يبين ذلك : أن [ حتى ] حرف غاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها. كما في قوله :﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ]، وقوله :﴿ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ﴾ [ البقرة : ٢٢٢ ]، وقوله :﴿ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ [ البقرة : ٢٣٠ ]، ونظائر ذلك.
فلو أريد أنهم لم يكونوا منتهين ويؤمنون حتى يتبين لهم الحق لزم أن يكونوا كلهم بعد مجيء البينة قد انتهوا وآمنوا. فإن اللفظ عام فيهم.


الصفحة التالية
Icon