والآية تضمنت مدح الرب وذكر حكمته وعدله وحجته في أنه لا يدعهم حتى يرسل إليهم رسولًا، كما قال لأهل الكتاب :﴿ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ ﴾ الآية [ المائدة : ١٩ ]، لم تتضمن مدحهم على بقائهم على الكفر حتى يأتي الرسول. فإن هذا غايته ألا يعاقبوا عليه حتى يأتي الرسول، لا أن يحمدوا عليه حتى يأتي الرسول. فإن هذا لا يقوله عاقل، ولم يقله أحد، لا سيما وأهل الكتاب قد قامت عليهم الحجة بأنبياء قبله.
ونظير هذا في اللفظ قوله :﴿ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ ﴾ [ النحل : ٧ ]. ليس المراد : ما كنتم بالغيه في الماضي، بل هذه حالهم دائمًا.
فقوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ٍ ﴾ يقتضي أن هذه حالهم دائمًا.
وتضمنت السورة ذكر أصناف الخلق، وما أمر الله به جميع العباد، وأن ذلك أمر لابد منه ـ لابد من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، وبيان السعداء أهل الجنة، والأشقياء أهل النار.
فقوله :﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً ﴾، جملة، فيه بيان إرسال الرسول إلى الجميع. وقوله :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ [ البينة : ٤ ]، فيه إقامة الحجة على أهل الشرائع، وذم تفرقهم واختلافهم، وأن ذلك بعد أن جاءتهم البينة.


الصفحة التالية
Icon