وعلى هذا القول، يكون المعنى : والله لو تعلمون علم اليقين، لترون الجحيم بقلوبكم، والأول هو المشهور، ومن المفسرين من لم يذكر سواه، وهو الذي أثروه عن متقدميهم، ويدل على صحته وأنه الحق أن قوله :﴿ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا ﴾، ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ ﴾، معطوف على ما قبله، فيكون داخلًا في حيزه، فلو كان الأول معلقًا بالشرط، لكان المعطوف عليه / كذلك، وهو باطل؛ لأن رؤيتها عين اليقين، والمسألة عن النعيم ليس معلقًا بأن يعلموها في الدنيا علم اليقين.
وأيضًا، فتفسير الرؤية المطلقة برؤية القلب ليس هو المعروف من كلام العرب.
وأيضًا، فيكون الشرط هو الجواب، فإن المعنى -حينئذ- لو علمتم علم اليقين، لرأيتم بقلوبكم، وذلك هو العلم، فالمعنى : لو علمتم لعلمتم، وهذا لا يفيد. ولو أريد بمشاهدة القلب قدر زائد على مجرد العلم، فهذا معلوم أن من علم الشيء أمكنه أن يجعل مشاهدًا له بقلبه.
وأيضًا، فهذا المعنى لو كان مفيدًا، لم يكن مما يستحق القسم عليه، فإنه ليس بطائل.
وأيضًا، فقوله :﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾، لم يذكر المعلوم، حتى يستلزم العلم به العلم بالجحيم، فإن أريد معلوم خاص، فلا دليل في الشرط عليه، حتى يصح الارتباط. وإن أريد المعلوم العام ـ وهو ما بعد الموت ـ فذاك يستلزم العلم بالجحيم وغيرها، وهذا فيه نظر. فقد يسأل ويقال : قوله :﴿ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾، لم يذكر / فيه المعلوم بل أطلق، ومعلوم أن كل أحد سوف يعلم شيئًا لم يكن علمه، وجوابه : أن سياق الكلام يقتضي الوعيد والتهديد، حيث افتتحه بقوله :﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾.
وأيضًا، فمثل هذا الكلام قد صار في العرف يستعمل في الوعيد ـ غالبًا ـ أو في الوعد. وإذا كان العلم مقيدًا بالسياق اللفظي، وبالوضع العرفي، فقوله :﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ ﴾ هو ذاك العلم، أخبر بوقوعه مستقبلا، ثم علق بوقوعه حاضرًا، وقيد المعلق به بعلم اليقين، فإنهم قد يعلمون ما بعد الموت، لكن ليس علمًا هو يقين.


الصفحة التالية
Icon